فصل: السنن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة



.الفصل الثالث: في أوقات الكراهية:

وهي أربعة: بعد طلوع الفجر حتى تصلي الصبح.
وبعد الصلاة حتى تطلع الشمس وترتفع.
وبعد صلاة العصر حتى تغرب الشمس.
وبعد صلاة الجمعة حتى ينصرف المصلي.
وألحق بذلك وقت استواء الشمس حتى تزول في إحدى الروايتين، ومذهب الكتاب الجواز.
ويستثني عن ذلك الفوائت عموما، وركعتا الفجر، واستدراك قيام الليل لمن نام عن عادته ما بين طلوع الفجر وصلاته خصوصا.
وهل يصلي على الجنائز ويسجد للتلاوة بعد صلاة الصبح وقبل الإسفار، أو بعد صلاة العصر وقبل الاصفرار؟ ثلاثة مذاهب:
المنع، وهو مذهب الموطأ. والجواز، وهو في الكتاب. وتخصيص الجواز بما بعد الصبح دون ما بعد العصر، وهو رأي ابن حبيب.
ولا يجوز فعلهما في وقتي الإسفار والاصفرار، ويجوز فيما عدا هذه الأوقات الأربعة، وهذا ما لم يخش تغيير الميت، فيصلي عليه في جميع الأوقات.
فرع:
لو تحرم بالصلاة في وقت الكراهية، قطع متى استفاق لذلك، ولا قضاء عليه.

.الباب الثاني: في الأذان والإقامة:

والذي نقله العراقيون عن المذهب أنهما سنتان.
ونقل جماعة من المتأخرين من الأندلسيين والقرويين أن الأذان فرض كفاية على أهل كل ببلد، فإن تركوه أثموا، وقوتلوا عليه إن امتنعوا عن فعله. وإن فعله أحدهم سقط عن سائرهم، قالوا: وهذا الوجوب لإقامة شعائر الإسلام، قالوا: وهو مع ذلك سنة مؤكدة في مساجد الجماعات، ومواضع الأئمة، وحيث يقصد الدعاء للصلاة.
واختار القاضي أبو الوليد: أنه واجب على الكفاية في المساجد والجماعات الراتبة، وعلل الوجوب بوجهين: إقامة الشعار، وتعريف الأوقات؛ إذ لا يجوز إهمالها.
والكلام عليهما ينحصر في ثلاثة فصول:

.الفصل الأول: المحل ومشروعية الأذان:

في حق المصلين جماعة في مفروضة مؤداة في الوقت قصد الدعاء إليها، وذلك يختص بالأئمة حيث كانوا، وبمساجد الجماعات.
واستحب المتأخرون للمسافر الأذان، وإن كان منفردا؛ لحديث أبي سعيد. أما جماعة بمكان لا يريدون دعاء غيرهم إليهم، أو الفذ كذلك، فوقع في المذهب: لا يؤذنوا، ووقع أيضا إن أذنوا فحسن. قال الشيخ أبو الطاهر: وأراد أبو الحسن اللخمي أن يجعل المذهب على قولين، وليس كذلك، بل لا يؤمرون بالأذان، كما يؤمن به الأئمة، وفي مساجد الجماعات، وإن أذنوا فهو ذكر، والذكر لا ينهي عنه من أراده، لا سيما إذا كان من جنس المشروع.
ولا أذان في غير المفروضة، كصلاة الكسوف والاستسقاء والجنائز وصلاة العيد، ولا ينادى لها: الصلاة جامعة، ولا يؤذن للنوافل، ولا للصلاة الفائتة؛ إذ يزيدها ذلك فواتا، ولكن يقيم لها.
وإذا جمع الإمام بين الصلاتين، ففي أذانه لكل صلاة، أو الاقتصار على الأذان للأولى خاصة، أو ترك الأذان فيهما جملة، ثلاثة أقوال: الأول مذهب الكتاب، والثاني لابن الماجشون، والثالث حكاه الشيخ أبو القاسم، ويقيم لكل واحدة.
وأما مشروعية الإقامة، ففي حق كل مصل على العموم، واستثنى ابن عبد الحكم النساء، فقال: ليس عليهن أذان ولا إقامة، وقال ابن القاسم: إن أقمن فحسن.

.الفصل الثاني: في صفتهما:

أما الأذان فهو مثنى مثنى، وعدة كلماته في الصبح تسع عشرة، وفي غيره سبع عشرة.
وأما الإقامة، فهي فرادى إلا التكبير، وكلماتها عشر على المشهور، وروي تثنية قوله: قد قامت الصلاة، فتكون إحدى عشرة كلمة.
وحكاية لفظ الأذان: الله أكبر الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمد رسول الله، ثم يرجع فيعيد الشهادتين بأرفع من صوته بهما أولا، وهو الترجيع.
وقال الإمام أبو عبد الله: وربما غلط بعض العوام من المؤذنين في نقطه بالشهادتين، فيخفي صوته حتى لا يسمع، وهذا غلط؛ لأن ذكر الله سبحانه وإن كان حسنا سرا وعلنا، فالمقصود به ها هنا إسماع الناس ليعلموا دخول الوقت، فإذا أخفاه لم يحصل الغرض المقصود منه.
ويقول بعض الترجيع: حتى على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.
ويزيد في الصبح بعد قوله: حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم، وهو التثويب، وهو مثنى على المشهور.
وقال ابن وهب: يقول مرة واحدة: الصلاة خير من النوم. ومشروعيته في أذان الصبح على العموم. وحكى الشيخ أبو إسحاق عن مالك أنه قال: من كان في ضيعته متنحيا عن الناس، أرجو أن يكون من تركها في سعة.
ولفظ الإقامة: الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الفلاح، قد قامت الصلاة، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.
وقد تقدم ذكر الخلاف في تثنية قوله: قد قامت الصلاة.
والقيام والاستقبال مأمور بهما في الأذان، وأنكر مالك أذان القاعد إلا من عذر يؤذن لنفسه، إذا كان مريضا، وقيل: بالجواز، لأنه ذكر.
ولا بأس أن يضع أصبعيه في أذنيه في الأذان والإقامة، أو يترك ذلك.
ولا يكره له أن يلتفت في الحيعلتين يمينا وشمالا إذا أراد بذلك المبالغة في الإسماع.
وأنكر مالك أن يكون ذلك من حد الأذان، ولا يحول صدره عن القبلة.
وليكن الأذان مرسلا محدرا مستعليا، يرفع به الصوت ولا يدمج، وتدمج الإقامة.
قال بعض المتأخرين: وهو موقوف غير معرب في مقاطعة، قال: وكذلك سمع.
ولا يتكلم في الأذان ولا في الإقامة، ولا يرد على من سلم عليه. ولا ينبغي لأحد أن يسلم عليه حتى يفرغ.
ويؤذن راكبا، ولا يقيم إلا وهو نازل. وروى ابن وهب: لا بأس أن يقيم راكبا.
ويرتب كلمات الأذان ويواليها، فإن نكس استأنف، وإن فرق يسيرا بنى، وإن تَفاحش ابتدأ.

.الفصل الثالث: في صفة المؤذن:

ويشترط أن يكون مسلما عاقلا مميزا ذكرا، فلا يعتد بأذان كافر أو مجنون أو سكران مخبط أو امرأة.
ولا يؤذن إلا من احتلم، وروى أشهب: لا يؤذن الصبي ولا يقيم، إلا أن يكون مع نساء، أو بموضع لا يكون فيه غيره، فيؤذن ويقيم، قال الشيخ أبو بكر: هو الاختيار.
فإن أذن من لم يلغ جاز، وحكى الإمام أبو عبد الله في أذانه قولين: الجواز، لأنه ذكر.
والنهي لأنه من أمانات الشريعة وليس من أهلها. وفي المختصر: لا يؤذن للناس إلا من يؤم.
وفي الحاوي للقاضي أبي الفرج: لا بأس أن يؤذن قاعدا وراكبا وجنبا، ومن لم يحتلم. وأما الإقامة فلا.
وقال أشهب فيمن أذن لقوم وصلى معهم، فلا يؤذن لآخرين ويقيم، فإن فعل ولم يعيدوا حتى صلوا أجزأهم.
وتستحب الطهارة في الأذان، ويصح بدونها. والكراهية في الجنب شديدة، وفي الإقامة أشد.
وقال سحنون: لا بأس بأذان الجنب في غير المسجد.
وليكن المؤذن صيتا حسن الصوت. وأما التطيب، فقال مالك: هو منكر. قال ابن حبيب: وكذلك التحزين بغير تطريب، قال: ولا ينبغي إماتة حروفه، والبغي فيه، وهو إفراط المد فيه، وليكن عدلا عارفا بالمواقيت لتقلده عهدتها.
وللإمام أن يستأجر على الأذان من بيت المال، واختلف في إجارة غير الإمام من آحاد الناس على الأذان والصلاة، فأجاز ذلك ابن عبد الحكم فيهما على الانفراد والاجتماع. ومنعه ابن حبيب فيهما على الحالتين، والمشهور: المنع في الصلاة بانفرادها والإجارة على الأذان منفردا أو متبوعا بالصلاة.
وإذا فرعنا على المشهور، واستؤجر عليها، ثم طرأ عليه ما منعه من الإمامة، فهل يحط من الإجارة بسبب عجزه عن الإمامة، أم لا؟ للمتأخرين في ذلك قولان، مأخذهما هل للاتباع حصة من الثمن أم لا؟ وقد ذكر الإمام أبو عبد الله هذا الخلاف ومأخذه. وحكى روايات وقعت في المذهب، أخذ منها القولان، ثم رجع كون الأثمان تقابل بها الاتباع، واستشهد في ذلك بعرف التجار في زيادة الأثمان بسببها، واعتذر عن المسائل الواقعة في القسم الآخر.
وذكر أن فائدة التبعية في الاتباع إنما هي في الحل، أو الاستحقاق لا في عدم المقابلة بجزء من الثمن.
فرعان:
الأول: إذا كثر المؤذنون فواسع أن يتراسلوا معا، إلا أن كل واحد لا يقتدي بأذان صاحبه، وأن يترتبوا ما لم يكثروا، وذلك يختلف بحسب سعة الوقت وضيقه.
ففي ما وقته واسع، كالصبح والظهر والعصر والعشاء ما بين الخمسة إلى العشرة، وشبهه.
وفي العصر ما بين الثلاثة إلى الخمسة، وشبه ذلك. وأما المغرب فلا يؤذن فيها إلا واحد.
قال أبو إسحاق التونسي: يريد أو جماعة في مرة واحدة، فإن تشاحوا في الأذان لها اقترعوا إن تساووا، وإلا قدم الأولى.
الفرع الثاني:
في حكاية الأذان:
ويؤمر سامع الأذان بحكايته، وينتهي إلى آخر التشهدين في ظاهر المذهب. وقيل: يتمادى إلى آخره، ويعوض على الحيعلتين بالحوقلة.
ويحكي التشهد مرة واحدة في رواية ابن القاسم.
وقال الداودي: يعاود التشهد إذا... عاود المؤذن أو قبله.
فإن كان السامع في صلاة، فروى ابن القاسم: أنه يحكي في النافلة دون الفريضة.
وروى أبو مصعب أنه يحكي فيهما. قال ابن وهب: لا بأس به فيهما، واستحبه ابن حبيب.
وقال سحنون: لا يحكي في واحدة منهما.
ثم حيث قلنا: يحكى، فلا يتجاوز التشهدين. ولو قال في الصلاة: حي على الصلاة، فقال أبو محمد الأصيلي: لا تبطل صلاته، لأنه متأول. وحكى عبد الحق عن بعض القرويين: أن صلاته تبطل، وأنه كالمتكلم. وحكى ذلك عن القاضي أبي الحسن.
ولو أبطأ المؤذن فقال مثل ما يقول، أو عجل قبل المؤذن، أجزأه ذلك، وهو واسع.

.الباب الثالث: في الاستقبال:

.والنظر فيه أركان ثلاثة:

.(الركن) الأول: الصلاة:

ويتعين الاستقبال في فرائضها، إلا في القتال.
ولا تؤدي فريضة على الراحلة، ولا صلة جنازة، ولا تؤدي فريضة على بعير دون أدائها بالأرض. وإن كان معقولا، فإن أديت مثل أدائها بالأرض، ففي جواز ذلك وكراهيته قولان.
أما النوافل فتجوز إقامتها في السفر الطويل للراكب دون الماشي، ولا تجوز في السفر القصير، ولا في الحضر.
ولا يضر انحراف الدابة عن القبلة في التمادي، ولا في الابتداء، وصوب الطريق بدل عن القبلة في دوام الصلاة، فلا يصرف وجهه عن جهته.
ولا يصلي راكب السفينة إلا إلى القبلة، فإن دارت السفينة استدار. وروى ابن حبيب: أنه يتنفل فيها حيث سارت به كالدابة.
ثم على الراكب أن يومي بالركوع والسجود، وليجعله أخفض من الركوع.

.الركن الثاني: القبلة:

ومواقف المصلي المستقبل مختلفة، فالمصلي في جوف الكعبة حيث صححنا يستقبل أي دار شاء. والمذهب جواز صلاة النفل فيها. والمنع من صلاة الفرض والسنن كالوتر، وركعتي الفجر.
قال أبو الحسن اللخمي: وأجازه أشهب في مدونته في الفرض إن فعل، وقال: لا إعادة عليه، وإن كان يستحب له أن لا يفعل ذلك ابتداء.
وإذا فرعنا على المشهور، فصلى الفرض فيها، فقال ابن حبيب: يعيد أبدا في العمد والجهل.
وقال في الكتاب: يعيد في الوقت.
وقال أصبغ: تبطل وتجب الإعادة وإن ذهب الوقت.
ولكنه ذكر ذلك في متعمد الصلاة فيها، فقال بعض المتأخرين: ظاهر قوله أنه لو كان ناسيا لأعاد في الوقت؛ لأن الناسي للقبلة إنما يعيد في الوقت، واستشهد بقوله في الكتاب: يعيد في الوقت، كمن صلى إلى غير القبلة، قال: وإنما يصح هذا التشبيه فيمن صلى إلى غير القبلة ناسيا، والصلاة في الحجر كالصلاة في البيت.
فأما الصلاة فوق ظهرها، فمنهي عنه. وحمل القاضي أبو محمد النهي على ما إذا لم يقم عليه قائما يقصده، وحمل النهي على الإطلاق رأي الجماعة، وقد حكى الإمام أبو عبد الله أن المشهور منع الصلاة على ظهر الكعبة، وأن ذلك أشد من منع الصلاة داخلها، وأن الإعادة تجب فيه أبدا. وحكى عن محمد بن عبد الحكم الإجراء، وحكي عن أشهب الإجراء إن كان بين يديه قطعة من سطحها. وبناء الخلاف على أن المشروع استقبال بنائها أو هوائها؟
ولو امتد صف مستطيل قريبا من البيت، فالخارج من سمت البيت لا صلاة له، ولو فرض بعد هؤلاء عن مكة في أفق من الآفاق لصحت صلاتهم.
والواقف بمكة خارج المسجد يسوي محرابه بناء على عيان الكعبة، فإن لم يقدر استدل عليها بما يدل عليها، وأن كان يقدر ولكن بمشقة، فقد تردد بعض المتأخرين في جواز اقتصاره على الاجتهاد.
والواقف بالمدينة ينزل محراب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حقه منزلة الكعبة، فليس له الاجتهاد فيه بالتيامن والتياسر.

.الركن الثالث: في المستقبل:

والقادر على معرفة القبلة يقينا لا يجوز له الاجتهاد، والقادر على الاجتهاد لا يجوز له التقليد بل يجتهد، وهل مطلوبه في الاجتهاد الجهة أو السمت والعين؟ قولان للشيخ أبي بكر والقاضي أبي الحسن.
وللأعمى العاجز أن يقلد شخصا مكلفا مسلما عارفا بأدلة القبلة، فلو كان يستقل عند الإخبار عن الأحوال بمعرفة طرق الاجتهاد، قلد في السماع واجتهد بناء على ما سمع. وليس للمجتهد أن يقلد غيره، فإن تخير في الحال في نظره، فهل يتخير جهة يصلي إليها، أو يصلي أربع صلوات إلى الجهات الأربع، أو يقلد؟ ثلاثة مذاهب.
أما البصير الجاهل بالأدلة، فإن كان بحيث لو اطلع على وجه الاجتهاد لاهتدى إليه، لزمه السؤال، ولا يقلد. وإن كان بحيث لا يهتدي، ففرضه التقليد، فإن عدم من يقلده، فقال محمد بن عبد الحكم: يصلي إلى أي جهة شاء، قال: ولو صلى أربع صلوات لكان مذهبا.
ومن صلى بالاجتهاد ثم تبين له الخطأ، فلا إعادة عليه بعد الوقت، لكن يعيد في الوقت.
وقال المغيرة ومحمد بن مسلمة: هذا إن شرق أو غرب. وأما إن استدبر القبلة، فإنه يعيد وإن خرج الوقت.
وقال ابن سحنون: يقضي وإن خرج الوقت في الوجهين جميعا.
وسبب الخلاف: هل فرض المجتهد في القبلة الإصابة أو الاجتهاد؟
وإذا فرعنا على المشهور، فاختلف في منتهي الوقت الذي يعيد إليه في الظهر والعصر، فقيل: غروب الشمس، وقيل: اصفرارها، وخرجه بعض المتأخرين على القول بتأثيم مؤخر الصلاة إلى الاصفرار.
وهذا الخلاف جار في إعادة من صلى بنجاسة ناسيا.
ومن صلى أربع صلوات إلى أربع جهات بأربع اجتهادات، ولم يتعين له الخطأ، فلا قضاء عليه في وقت ولا غيره.
وإن تيقن أنه استدبر القبلة، أو شرق أو غرب وهو في أثناء الصلاة، قطع وابتداء.
ولو بأن له الخطأ في التيامن والتياسر، ولم يشرق أو يغرب، فإن كان في الصلاة انحرف وأتمها ولا شيء عليه، وإن علم بذلك بعد الفراغ من الصلاة، فلا قضاء عليه.
فروع:
الأول: إذا صلى صلاة باجتهاد، ثم حضرت صلاة أخرى، استأنف الاجتهاد لها.
الثاني: لو أدى اجتهاد رجلين إلى جهتين، فلا يقتدي أحدهما بالآخر.
الثالث: لو اجتهد بالأعمى رجل، ثم قال له آخر: قد أخطأ بك، فصدقه، وانحرف حين قال له، وما مضى مجزي عنه لأنه اجتهد له من له اجتهاد. قال ابن سحنون: هذا هو الحق، إذا كان المخبر مخبرا باجتهاده لا بحقيقة.
فإن أخبر عن عيان حقيقة القبلة، لزم الأعمى إبطال ما مضى من صلاته.

.الباب الرابع: في كيفية الصلاة:

.وأفعال الصلاة تنقسم إلى أركان وسنن وفضائل.

أما:

.أركانها:

التي هي منها فتسعة:
التكبير للإحرام، وقراءة أم القرآن، والقيام لهما، والركوع، والرفع منه، والسجود، والفصل بين السجدتين، وقدر ما يعتدل فيه ويسلم من الجلوس الأخير، والتسليم.
واختلف في عد الطمأنينة من الواجبات أو من الفضائل، ولم نعد النية لأنها من الفروض الخارجة عن ذات الصلاة، فهي بالشرط أشبه، ولو كانت ركنا لافتقرت إلى نية.
وأما:

.السنن:

فاثنتا عشرة:
وهي:
قراءة سورة مع أم القرآن، والقيام لها، والجهر بالقراءة في موضع الجهر، والإسرار في موضعه، والتكبير سوى التكبير للإحرام، والقول: سمع الله لمن حمده، والجلوس الأول، والتشهد فيه، والزائد على مقدار الواجب من الجلوس الأخير، والتشهد فيه، والاعتدال في الفصل بين الأركان على أحد القولين، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في المشهور.
وأما:

.الفضائل:

فعدها القاضي أبو محمد سبعا:
رفع اليدين مع التكبير الإحرام، وإطالة القراءة وقصرها في الصلوات على ما سيأتي، والتأمين بعد الفاتحة، والتسبيح في الركوع والسجود، والقنوت في الفجر، وقول المأموم: ربنا ولك الحمد، وسجود التلاوة.
ولنورد الأركان بسننها وفضائلها على ترتيبها.
الركن الأول: التكبير للإحرام.
ولتكن النية مقرونة به، ثم كيفية النية أن يقصد بقلبه الدخول في الصلاة المعينة، ويكون قصده مقارنا للفظ التكبير، وسواء ابتديا في حال، أو تقدمت النية، واستصحبت ذكرا إلى التكبير، ولا يفتقر في عقد الصلاة مع النية إلى لفظ سوى لفظ التكبير، وهل يلزمه التعرض في نيته لعدد الركعات؟ فيه خلاف ينبني عليه الخلاف في ثلاثة فروع:
من افتتح بنية القصر فأتم، أو بالعكس، ومن افتتح صلاة الجمعة، فلم تتم له شروطها، هل يتم عليها ظهرا أم لا؟ ومن دخل مع الإمام في صلاة الجمعة يظنها الظهر أو بالعكس.
ففي جميع ذلك خلاف.
وإذا قارنت النية وجب استصحابها حكما، وهو استدامة أمرها، بأن لا يحدث ما ينافيها، ويناقض جزمها، كما لو نوى الخروج في الحال أو في ثانية، فلو عزبت في أثناء الصلاة لم يضره ذلك. وحكى ابن سحنون عن أبيه: أنه كان يصلي ثم يعيد، ويعتذر بأن نيته عزبت.
وقال القاضي أبو بكر: إن عزبت بأمر خطر في الصلاة، أو بسبب عارض، لم يضر.
وإن كانت بأسباب متقدمة قد لزمت العبد من الانهماك في الدنيا، والتعلق بعلائقها الزائدة، والتشبث بفضولها، فيقوي ترك الاعتداد بالصلاة، لأن ذلك واقع باختيار، هذا حكم النية.
أما التكبير، فيتعين لفظه على القادر، ولا تجزي ترجمته، وهو أن يقول: الله أكبر، لا يجزي غيره من قوله: الأكبر، أو أجل، أو أعظم.
أما الأبكم فيدخل بالنية، ولا يلزمه غير ذلك. وأما العاجز لجهله باللغة، فقال الشيخ أبو بكر: ليس عليه نطق آخر سواه يفتتح به الصلاة عوضا عن التكبير، قال الإمام أبو عبد الله: هو صحيح على أصلنا.
وقال القاضي أبو الفرج: يدخل بالحرف الذي دخل به الإسلام.
وحكى القاضي أبو محمد عن بعض أشياخه: أنه يدخل الصلاة بلسانه، فإذا شرع في التكبير، رفع يديه معه، على المعروف من المذهب، قال القاضي أبو محمد: إلى المنكبين، لا إلى الأذنين.
واختار المتأخرون أن يحاذي بالكوع الصدر، وبطرف الكف المنكب وبأطراف الأصابع الأذنين، وهذا إنما يتهيأ إذا كانت يداه قائمتين، رؤوس أصابعهما مما يلي السماء، وهي صفة النابذ.
وقال سحنون: تكونان مبسوطتين بطونهما مما يلي الأرض وظهورهما مما يلي السماء، وهي صفة الراهب.
ثم إذا أرسل يديه، قبض باليمنى على المعصم والكوع من يده اليسرى تحت صدره، على رواية مطرف وابن الماجشون في استحسان ذلك، ويسدلهما على ظاهر رواية ابن القاسم في الكتاب؛ إذ روى: لا بأس به في النافلة، وكرهه في الفريضة. لكن تأول القاضيان أبو محمد وأبو الوليد روايته وحملاها على الاعتماد؛ لأنه هو المكروه في الفريضة، المباح في النافلة، لا على وضع اليمنى على اليسرى الذي هو هيئة من هيئات الصلاة، وهو مخير على رواية أشهب، إذ روى الإباحة فيهما، وكذلك قال في المختصر: لا بأس بوضع اليد على اليد في الصلاة.
الركن الثاني: قراءة أم القرآن.
وليعقب التكبير بقراءتها، ولا يفصل بينهما بشيء، وهي متعينة، لا يجزي عنها غيرها، ولا تقوم ترجمتها مقامها. ومن لم يحسنها وجب عليه تعلمها، فإن لم يسعه وقت الصلاة للتعلم ائتم بمن يحسنها، فإن لم يجد فقال ابن سحنون: فرضه أن يذكر الله سبحانه.
وقال الإمام أبو عبد الله: ظاهر كلام أشهب، أن تعويض الذكر يجب في محل القراءة، قال: ومقتضى قول الأبهري عندي، أنه لا يجب عليه تعويض، كما لم يوجب تعويضا على من لا يحسن النطق بتكبيرة الإحرام لما كانت متعينة.
وقال القاضي أبو محمد: لا يجب، ويستحب أن يقف وقوفا ما، فإن لم يفعل أجزأه. وفي المبسوط: أنه ينبغي له أن يقف قدر قراءة أم القرآن وسورة، ويذكر الله.
فرع:
لو افتتح الصلاة كما أمر، وهو غير عالم بالقراءة، فطرأ عليه العلم بها في أثناء الصلاة، قالوا: ويتصور ذلك بأن يكون سمع من قرأها، فعلقت بحفظه من مجرد السماع، فلا يستأنف الصلاة؛ لأنه أدى ما مضى على حسب ما أمر به، فلا وجه لإبطاله، قاله في كتاب ابن سحنون.
ويستوي في وجوبها الإمام والفذ، ولا تجب على المأموم، لكن تستحب قراءتها في السر دون الجهر.
وقال ابن وهب وأشهب وابن عبد الحكم وابن حبيب: لا يقرأها في الجهر ولا في السر.
وتجب في كل ركعة على الرواية المشهورة، قال القاضي أبو محمد: وهذا هو الصحيح من المذهب، وفي الأكثر على الأخرى.
وقال المغيرة: يجتزى بوجودها في ركعة واحدة.
وليست بسم الله الرحمن الرحيم آية منها، ولا من غيرها، سوى سورة النمل، ولا تجب قراءتها في الصلاة، لما روى مسلم في صحيحه عن أنس بن مالك، قال: صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون بسم الله الرحمن الرحيم، فلا في أول قراءة، ولا في آخرها:.
ومن قرأ بالقراءة الشاذة لم تجزئهن ومن ائتم به أعاد أبدا، ثم بعد الفاتحة فضيلة وسنة، فالفضيلة التأمين مع تخفيف الميم ممدودة أو مقصورة.
ويؤمن المأموم إذا سمع قول الإمام: ولا الضالين، وقال ابن عبدوس: يتحرى فيؤمن إذا لم يسمع.
ويؤمن الإمام إذا أسر، قال القاضي أبو الوليد: لم يختلف أصحابنا في ذلك، وعلله بأنه قد عي دعاؤه من مؤمن عليه غيره، فأما إذا جهر، فيؤمن أيضا في رواية المدنيين، وروى المصريون أنه لا يؤمن، واختار القاضي أبو الوليد رواية المدنيين، أنه يؤمن في السر وفي الجهر، ويكون تأمين المأموم مقارنا له معا.
وقال ابن بكير: يتخير في الجهر.
ثم حيث قلنا: يؤمن فليسر كالمأموم والمنفرد، واختار بعض المتأخرين جهر الإمام به، وقال غيره: هو مخير في الجهر والإسرار.
والسنة قراءة سورة، بعد الفراغ من أم القرآن والتأمين لها، وهي مسنونة في الصبح والجمعة والأوليين في غيرهما من فرائض الأعيان.
وفي جملة أنواع السنن والتطوعات سوى ركعتي الفجر؛ إذ المشهور الاقتصار فيهما على قراءة الفاتحة فقط. وفي مختصر ابن شعبان: يقرأ فيهما بأم القرآن في كل ركعة، وسورة من قصار المفصل.
والمختار من قدرها مختلف باختلاف أعيان الصلوات، ففي الصبح بطوال المفصل، وما زاد عليه بقدر ما يحتمله التغليس، ولا يبلغ به الإسفار، والظهر تليها في ذلك وتقاربها، ويستحب التخفيف في المغرب، والعصر تليها في ذلك. وأما العشاء الآخرة فبين المنزلتين، ثم القراءة في الجهر والسر على ثلاثة أقسام.
الأول: الجهر في جميع الركعات، كالصبح والجمعة.
والثاني: الإسرار في جميعهن، كالظهر والعصر.
والثالث: الجمع بين الأمرين، كالمغرب والعشاء، فيجهر في الأوليين من كل واحدة منهما، ويسر في سائرها، هذا حكم الفرائض.
أما النوافل، فيجوز فيها الجهر والإسرار في الليل، والإسرار في النهار، واختلف في جواز الجهر فيه.
وينتهي في الجهر إلى أن يسمع نفسه ومن يليه، والمرأة دون ذلك، تسمع نفسها خاصة. ويشترط في السر تحريك اللسان بالحروف، فإن لم يتحرك بها لم يحتسب بما فعل، وكان غير قارئ.
وأما بيان أحوال السنن في الجهر والإسرار، فيأتي في صفتها عند ذكرها إن شاء الله.
الركن الثالث: القيام للإحرام، وقراءة أم القرآن.
ويجب القيام لهما مع الإقلال، فإن توكأ أو استند مع القدرة على الإقلال، بطلت الصلاة إن كان لو زال العماد سقط، وإن كان بحيث لو زال لم يسقط، لم تبطل مع كراهية فعله.
فإن عجز عن الإقلال ففضه التوكؤ، فإن عجز عن ذلك، انتقل إلى الجلوس مستقبلا، فإن عجز عنه، ففرضه الجلوس مستندا، ثم حيث انتقل عما هو فرضه أعاد أبدا.
ولا يستند لحائض ولا جنب، فإن فعل أعاد في الوقت.
فرع:
لو قدر على القيام، ولكن بلحوق مشقة فادحة تلحقه بحكم العاجزين سقط عنه.
قال ابن عبد الحكم: ولو خاف معاودة علة تضر به إن قام، لسقط عنه القيام، قال: وكذلك من لا يملك خروج الريح إذا قام.
وإن عجز عن الركوع والسجود دون القيام قام وأومأ بهما، والإيماء بالرأس والظهر جميعا. وهل عليه أن يبلغ في الإيماء منتهى وسعة؟ ذكر الشيخ أبو الطاهر: أن ظاهر المذهب على قولين في ذلك.
ويمد يديه إلى ركبتيه في الإيماء للركوع، ويحسر عن جبهته في الإيماء للسجود.
ولو قدر على القيام والركوع والسجود، لكن إن سجد لم يقدر على النهوض للقيام بعد، فهل يصلي قائما، ويومئ للركوع والسجود في الثلاث الأول من الرباعية مثلا، ثم يركع ويسجد في الرابعة، ويكمل صلاته، أو يركع ويسجد في الأولى، ويتم الصلاة جالسا؟ هذا مما اضطرب فيه المتأخرون، فمال أبو إسحاق التونسي إلى إيثار السجود على القيام لتقدمه عليه وللإنفاق على فرضيته، وذهب غيره إلى ترجيح القيام؛ إذ لا بدل عنه، لأن الجلوس حالة من حالات الصلاة.
ولو عجز عن القيام وقعد، فلا تتعين في القعود هيئة للصحة، لكن الإقعاء مكروه،
وهو أن يجلس على وركيه ناصبا فخذيه. والمستحب في المشهور أن يتربع في موضع القيام، ومال بعض المتأخرين إلى أنه يجلس فيه كجلوس التشهد، وأشار إليه محمد بن عبد الحكم، فإن عجز عن وضع الجبهة، انحنى للسجود أخفض منه للركوع.
فإن عجز عن القعود، صلى على جنبه الأيمن مستقبلا بمقاديم بدنه القبلة، كالموضوع في اللحد، فإن لم يقدر على ذلك، استلقى على ظهره ورجلاه إلى القبلة.
وروى ابن حبيب عن ابن القاسم: أنه يبدأ بالاستلقاء، فإن عجز عنه اضطجع على جنبه الأيمن، ثم إن عجز عنهما اضطجع على جنبه الأيسر.
فرع:
قال الشيخ أبو الطاهر: من عجز عن جميع الأركان بالمرض أو ما في معناه، فإن قدر على حركة بعض أعضائه كرأسه أو يديه أو غير ذلك من الأعضاء، فهذا لا خلاف أنه يصلي، ويومئ بما قدر على حركته، وإن عجز عن جميع الحركات، ولم يبق له سوى النية بالقلب، فهذه الصورة لا نص فيها في المذهب.
ثم حكى أن مذهب الشافعي: إيجاب القصد إلى الصلاة بقلبه، وأن مذهب أبي حنيفة: إسقاط الصلاة عمن وذلك إلى هذه الحال.
ثم قال: وقد طال بحثنا عن مقتضى المذهب في هذه المسألة، والذي عولنا عليه في المذاكرة موافقة مذهب الشافعي مع العجز عن نص يقتضيه في المذهب. ورأى أنه الاحتياط. وأن مذهب أبي حنيفة يقتضي الرجوع إلى براءة الذمة، ثم قال: ولا يبعد أن يختلف المذهب في المسألة.
ولنختم الكلام على الركن بذكر فروع:
الأول: من به رمدا لا يبرأ إلا بالاضطجاع، فليصل مضطجعا، وإن قدر على القيام، إذا كان يتضرر به كما تقدم.
الثاني: وهو مرتب عليه، من أدخل المرض على نفسه تداويا كقادح الماء من عينيه، فقال أشهب: يصلي مستلقيا ويومئ وقال في الكتاب: إن فعل ذلك أعاد أبدا، وعلل بأن القادح لا يوقن بالبرء، ولا عادة جارية به غالبا، فكأنه انتقل عن الكمال لأمر متردد في نجحه.
قال الشيخ أبو الطاهر: وقائل هذا لم يقف على حقيقة الأمر في القدح، بل الغالب وجود المنفعة به، والدواء فيه أظهر نجحا من غيره، ورويت إجازته في كتاب ابن حبيب في اليوم ونحوه، وكراهيته فيما كثر من الأيام.
الثالث: إذا تغيرت حال المصلي، بنى على ما مضى له، وأتم على حسب ما آل إليه أمره.
فإذا وجد القاعد خفة في أثناء القراءة، فليبادر إلى القيام، وإن خف بعد فراغها، لزمه القيام للهوى إلى الركوع، ولا تعتبر الطمأنينة، فإن خف في الركوع قبل الطمأنينة على القول بمراعاتها، كفاه أن يرتفع منحنيا إلى حد الركوع.
الرابع: القادر على القعود، لا يتنفل مضطجعا على أحد القولين.
الركن الرابع: الركوع.
وأقله أن ينحني بحيث تنال راحتاه ركبتيه أو تقربان منهما، ويجزي منه أدنى لبث، وأكمله أن ينحني بحيث يستوي ظهره وعنقه، وينصب ركبتيه، ويضع كفيه عليهما، ويجافي الرجل مرفقيه عن جنبيه، ولا يجاوز في الانحناء الاستواء، ويقول: الله أكبر، رافعا يديه عند الهوي في رواية ابن وهب وأشهب، ويسبح ما تيسر له.
ثم يرفع من ركوعه، وهو الركن الخامس:
فإن أخل به وجبت الإعادة في رواية ابن القاسم، ولم تجب في رواية علي بن زياد.
فرع:
إذا قلنا برواية ابن القاسم، فهل يجب الاعتدال أم لا؟ روي لابن القاسم في من رفع من الركوع والسجود ولم يعتدل، أن صلاته تجزينه، ويستغفر الله، ولا يعود. ولأشهب: أن صلاته غير صحيحة.
وقال القاضي أبو محمد: الأولى أن يجب من ذلك ما كان إلى القيام أقرب، وحكاه القاضي أبو الحسن عن بعض أصحابنا.
ثم إذا قلنا بوجوب الاعتدال، فتجب الطمأنينة، وقيل: لا تجب، وكذا الخلاف في إيجابها في سائر الأركان.
ويستحب له أن يرفع يديه، على رواية ابن وهب وأشهب أيضا، عند رفعه. ورواية ابن القاسم في الكتاب: ترك الرفع فيهما، أعني الركوع والرفع منه، ويقول في حال الرفع: سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد، إن كان منفردا، ويقتصر على قوله: سمع الله لمن حمده، إن كان إماما، وقيل: بل يجمع بينهما. وإن كان مأموما اقتصر على قوله: ربنا ولك الحمد، بإثبات الواو في رواية ابن القاسم، وروى علي بن زياد: إن الأفضل إسقاطها.
ثم يكبر للسجود، فإن شاء وضع يديه قبل ركبتيه، أو ركبتيه قبل يديه، والأول أحسن.
ثم إذا سجد على بينته نهض قائما، ولا يقعد ثم يقوم إلا من عذر، ويفعل في الثانية من القراءة مثل ما فعل في الأولى، غير أن السورة فيها ينبغي أن تكون بعد التي قرأ بها في الأولى في ترتيب المصحف، وأن تكون أقصر منها أيضا.
ويستحب القنوت في الصبح بعد فراغه من قراءة الركعة الثانية، فيقنت قبل الركوع إن شاء أو بعده، إلا أنه قبل الركوع أفضل، ولا يجهر به.
واختار في الكتاب مما روى منه: اللهم إنا نستعينك، ونستغفرك، ونؤمن بك، ونخنع لك، ونخلع ونترك من يكفرك، اللهم ِإياك نعبد، ولك نصلي ونسجد، وإليك نسعى ونحفد، نرجو رحمتك، ونخاف عذابك الجد، إن عذابك بالكافرين ملحق. ولو أتى بغيره أجزأه.
ثم إن كان له في نفسه حاجة دعها بها حينئذ إن شاء.
الركن السادس: السجود.
وصفته أن يمكن جبهته وأنفه من الأرض والكفين والركبتين وأصابع القدمين.
ولا يجب كشف الكفين، لكن يستحب.
وفي إثبات الإجزاء ونفيه عند الاقتصار من الجبهة والأنف على أحدهما، ثلاثة أقوال: يخصص الإجزاء في الثالث بالاقتصار على الجبهة دون الاقتصار على الأنف، وهو المشهور.
واختار القاضي أبو بكر نفي الإجزاء بإسقاط أيهما كان، وهو قول ابن حبيب.
وحكى القاضي أبو الفرج ما ظاهره تعلق الوجوب بأحدهما على البدل.
وأما باقي الأعضاء، فقال سحنون: اختلف أصحابنا إذا لم يرفع يديه عند رفعه للسجدة الثانية، فمنهم من قال: لا تصح صلاته، لما جاء أن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه، ومنهم من خفف ذلك.
وقال القاضي أبو الحسن: يقوي في نفسي أن السجود على الركبتين وأطراف القدمين سنة في المذهب.
ولو سجد على طرته، أو كور عمامته، كالطاقة أو الطاقتين، أو طرف كمه، لم يمنع الإجزاء.
ويكبر في الانخفاض له، ويدعو فيه إن أحب، ويستحب له أن يفرق بين ركبتيه، ومرفقيه، وجنبيه وبطنه وفخذيه، وهو التفريج، ولا تفرج المرأة.
واستحب المتأخرون يسجد بين كفيه. ولم يحد مالك في ذلك حدا.
ثم يفصل بين السجدتين وهو الركن السابع:
ولا يتهيأ الإتيان بهما مع الإخلال به؛ إذ لا يتصور التعدد دونه. فأما الاعتدال فيه، ففيه من الخلاف ما مضى في الاعتدال في الرفع من الركوع.
ويضع يديه قريبا من ركبتيه منشورتي الأصابع، ثم يسجد سجدة أخرى مثلها.
ثم يقوم للثانية واضعا يديه على الأرض، ويكبر حين شروعه في الرفع من السجود.
وكذلك في جميع تكبيرات الانتقال، سوى تكبيرة القائم من الجلوس، فإنه إنما يكبر إذا استقل قائما؛ إذ الشروع في تكبير الانتقال إنما هو في الأركان، ولم ينتقل من ركن إلى ركن فيكبر فيه، وعلى ذلك استمر العمل.
الركن الثامن: قدر ما يعتدل فيه، ويسلم من الجلوس الأخير:
والمستحب في صفة الجلوس كله الأول والأخير وبين السجدتين أن يكون توركا، وهو أن يفضي بروكه الأيسر إلى الأرض، ويخرج رجليه جميعا من جانبه الأمين، وينصب قدمه اليمنى وباطن الإبهام إلى الأرض، ويثني اليسرى، ويضع كفيه على فخذيه، ويقبض في الجلوس للتشهد الوسطى والخنصر ما بينهما من اليمنى، ويمد السبابة، ويضع الإبهام على الوسطى، ويجعل جانب السبابة مما يلي السماء، ويشير بها عند ذكر الوحدانية، وينصبهما فيما وراء ذلك، وقيل: يشير بها دائما تقريبا على نفسه، وقيل: ينصبها دائما من غير تحريك، إشارة إلى الوحدانية، ويتشهد.
واختار في الكتاب ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يعلمه للناس على المنبر، وهو: التحيا لله، الزاكيات لله، الطيبات الصلوات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، ثم يدعو بما يتسر له في التشهد الأخير دون الأول.
الركن التاسع: التسليم:
وهو واجب، ولا تقوم مقامه أضداد الصلاة، ولفظه متعين، وصورته: السلام عليكم.
ولو نكر ونون فقال: سلام عليكم، فقال القاضي أبو محمد والشيخ أبو محمد: لا يجزيه وقال أبو القاسم ابن شلبون: يجزيه.
واختلف المتأخرون في انسحاب حكم النية على التسليم، أو اشتراط تجديد نية للخروج، على قولين.
ويسلم كل واحد من الإمام والفذ تلقاء وجهه، ويتيامن قليلا، وأما المأموم فقال الشيخ أبو محمد: يسلم عن يمينه، قال الإمام أبو عبد الله: وهكذا ظاهر رواية ابن القاسم.
وبالتسليمة الواحدة، يخرجون من الصلاة، ولا يؤمر الإمام ولا المنفرد بزيادة عليها، وروي: أن كل واحد منهما يسلم تسليمتين.
ولا يسلم المأموم حتى يفرغ الإمام منهما، ويضيف إليها المأموم اثنتين على المشهور أولاهما أمامه يرد بها على إمامه، والثانية عن يساره إن كان على يساره أحد في الرواية الأخيرة. وروى أشهب: أنه يبدأ منهما بالتي على اليسار، وهي الرواية المتقدمة.
وحكى القاضي أبو محمد التخيير بين مقتضى الروايتين.
وقيل: يقتصر على الرد على الإمام فقط.
ولو كان مسبوقا، ففي رده على الإمام ومن على يساره روايتان.
خاتمة:
يجب قضاء الفوائت على حسب ما توجه الخطاب بها حين الأداء، والترتيب في قضاء اليسير منها واجب، فتقدم على الوقتية، وإن ضاق وقت الأداء أو فات.
وقال ابن وهب: يبدأ بالوقتية عند خوف فوات وقتها، وروي عن أشهب: أنه يتخير بينهما، ومستند المشهور الحديث الصحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق بدأ بصلاة العصر بعدما غربت الشمس، ثم صلى بعدها المغرب، خرجه مسلم في صحيحه.
ويرتب الفوائت كما يرتب الحاضرة معها.
فرع:
لو خالف الترتيب، وبدأ بالحاضرة ذاكرا لفائتة يجب ترتيبها، فقيل: يعيد الحاضرة بعد قضاء الفائتة ما دام في وقتها، وروى مطرف وابن الماجشون: أنه يعيد أبدا.
وسبب الخلاف: هل الترتيب شرط أم لا؟
ثم اليسير منها الخمس فدون، وقيل: الأربع فقط، ولم يختلف المذهب في الست أنها كثيرة. وذلك يقتضي نفي وجوب ترتيبها، ولكن حكى عن محمد بن مسلمة أنه يقدم المنسيات وإن كثرت، إذا كان يأتي بجميعها مرة واحدة.
ومن تذكر فائتة من وقتية يجب ترتيبها معها، فهل تفسد الوقتية بذلك أم؟ قولان، سببهما ما تقدم من الخلاف في اشتراط الترتيب.
وثمرتها: وجوب القطع واستحبابه.
وهو مأمور على المذهبين بأن يقطع ويبتدئ الفائتة فيتمها، ثم يشتغل بالمؤداة إن كان منفردا، ولم يعقد الركعة، وقيل: يتمها ركعتين نافلة، كما لو عقد الركعة.
وإن كان إماما أمر أن يقطع. وهل يسري ذلك لصلاة المأمومين؟ روى ابن القاسم أنه يسري ولا يستخلف، وروى أشهب أنه لا يسري ويستخلف من يتم بهم، وتصح صلاتهم.
وسبب الخلاف: مراعاة الخلاف.
وإن كان مأموما تمادى مع إمامه، ولم يقطع. ثم يختلف في وجوب الإعادة عليه.
ولو كان في الجمعة، فقال أشهب: إن علم أنه يدرك ركعة من الجمعة بعد قضاء المنسية، فأحب إلي أن يقطع ويقضي، ثم يعود إلى الجمعة، وإن لم يعلم ذلك تمادى.
فإذا أكمل الجمعة صلى المنسية خاصة، ولا إعادة عليه في الجمعة إلا احتياطا، لأنها قد فاتت.
وقال الشيخ أبو الحسن: مذهب مالك اتباع الإمام، فإذا فرغ صلى التي نسي وأعاد الجمعة ظهرا.
قال ابن القاسم: وإن لم يذكر التي نسى حتى فرغ من الجمعة، لم تكن عليه إعادتها. قال سحنون: آخر قوله أنه يعيدها في الوقت، ولعيه أكثر الرواة.
ولو ذكرها بعد الصلاة الوقتية، صلى المنسية، ثم أعاد الوقتية ما لم يذهب وقتها. وهل الاختياري أو الضروري؟ فيه قولان، سببهما الموازنة بين فضيلة الترتيب، وكراهية إيقاع الصلاة بعد الاصفرار، هذا حكم الفائتة مع الوقتية.
فأما حكم الترتيب بين الفوائت، فالمعتبر فيه تحصيل اليقين ببراءة الذمة.
والنظر في تحصيل عدد أحوال الشكوك فيها، فيوقع من الصلوات أعدادا على رتب ما يحيط بجميع حالات الشكوك.
فمن ذلك، من نسي صلاة من الخمس لا يدري ما هي، فإنه يأتي بهن كلهم ليستوفي جميع أحوال الشك.
وأما إن علم عين الصلاة، وجهل يومها، فإنه يصليها غير ملتفت لأعيان الأيام، فإن علم أعيان الأيام، وجهل ترتيبها، فالمذهب على قولين، المشهور أنه لا يراعى اختلاف الأيام.
وحكى ابن سحنون عن بعض الأصحاب ما يقتضي مراعاتها، مثاله: من نسي ظهرا وعصرا، لا يدري الظهر للسبت، والعصر للأحد، أو العصر للسبت، والظهر للأحد، فعلى المشهور يصلي ظهرا بين عصرين، أو عصرا بين ظهرين. وعلى القول الآخر: يصلي ظهرا للسبت، ثم عصرا للأحد، ثم عصرا للسبت، ثم ظهرا للأحد.
ولو تحقق عين الصلاة وشك في كونها سفرية أو حضرية، فإنه يصليها تامة، ثم يصليها سفرية، لتستوعب الصلاتان حال الشكين.
ولو نسي ظهرا وعصرا، لا يدري أيتهما قبل الأخرى، فقد تقدم أنه يصلي ظهرا بين عصرين، أو عصرا بين ظهرين، على المشهور للإحاطة بجميع حالات الشكوك.
فلو انضاف إلى هذا الشك، أن يشك، بعد علمه أن إحداهما سفرية والأخرى حضرية، في السفرية منهما، حتى صار الشك في حالتي الرتبة والقصر، فاختلفت أجوبة الأصحاب فيها.
قال الإمام أبو عبد الله: والصحيح ما نقل سحنون عن ابن القاسم أنه رجع إليه، ونقله ابن حبيب عن أصبغ، وهو أن يصلي ست صلوات ظهرا تامة، ثم يعيدها مقصورة، ثم عصرا تامة، ثم يعيدها مقصورة، ثم ظهرا تامة، ثم يعيدها مقصورة، والقانون المرجوع إليه في جواب ما يرد من هذه المسائل، أن يضرب عدد المنسيات في أقل منها بواحد، ثم يزيد على المتحصل واحدا، ثم يصليها على حسب ما تقدم.
مثاله في المسألة السابقة: أن يضرب اثنين في واحد، ويزيد واحدا، فتكون ثلاثة ظهرا بين عصرين أو عصرا بين ظهرين.
ولو شك مع ذلك في كونهما سفريتين أو حضريتين، أو سفرية وحضرية، فليفعل ما ذكرناه، إلا أن كل صلاة فرغ من فعلها حضرية أعادها سفرية.
وإن كان المنسي ثلاث صلوات صبحا وظهرا وعصرا من ثلاثة أيام، لا يدري أيهما قبل، فليضرب ثلاثة في اثنين ويزيد واحدة، فتكون سبعا، فإذا ابتدأ بالصبح فكمل الثلاث أعدها، ثم أعاد الصبح، فإن انضاف إلى ذلك الشك في كونها حضرية أو سرية، أو منها حضرية وسفرية، فيعيد كل صلاة تقصر صلاة سفر، فإذا صلى الظهر حضرية أعادها سفرية، وكذلك العصر، ثم يعيدهما كذلك في تكريرهما، فبلغ العدد إحدى عشر، فإن كان المنسي أربعا، فثلاث عشرة صلاة.
وإن شك مع ذلك في السفر والحضر، زاد مع كل صلاة حضرية تقصر صلاة سفرية، وإن كانت المنسية خمسا، صلى إحدى وعشرين، ومع الشك في السفر والحضر تبلغ نيفا وثلاثين، هذا على المشهور.
ولو فرعنا على اعتبار الأيام، لم تختص الإعادة بما يقصر، بل يعيد الجميع، فيتضاعف العدد الذي ينتهي إليه الحساب أبدا.
ومن هذا الباب، أن ينسى صلاة وثانيتها، ولا يدري ما هما، فإنه يصلي الخمس على رتبتها، ثم يعيد ما ابتدأ به.
ولو نسي صلاة وثالثتهما، صلى ستا أيضا، لكن أي صلاة بدأ بها عقبها بثالثتها، ثم بثالثة الثالثة، ثم كذلك حتى يكمل ستا، وكمالها بإعادة الأولى.
ولو نسي صلاة ورابعتها، ولم يزد على الست، لكن أي صلاة بدأ بها عقبها برابعتها، ثم برابعة الرابعة، ثم كذلك حتى يكمل الست بإعادة الأولى.
ولو نسيها وخامستها، لم يزد على الست أيضا، لكن أي صلاة بدأ بها عقبها بخامستها، ثم بخامسة الخامسة، ثم يتمادى على ذلك حتى يكمل الست بإعادة الأولى.
ولو كان إنما نسي صلاة وسادستها، أو حادية عشرة لها، أو سادسة عشرة لها، فليصل عشر صلوات، يصلي كل واحدة من الخمس ويعيدها، فيصلي ظهرين وعصرين ومغربين وعشاءين وصبحين؛ لأن السادسة والحادية عشرة والسادسة عشرة هن الأولى بعينها، فكانتا صلاتين متماثلتين من يومين فعليه صلاة يومين.
قال الإمام أبو عبد الله: وهذا إذا أحكم وتدبر تصوره في الذهن لم يصعب، وفرع عليه الناظر ما شاء.
قال: وكدا الفهم فيه يكسب انتباها وتيقظا فيما سواه من المعاني الفقهية.